لا ينبغي أن يفخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفوزه مرةً أخرى على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، فمنذ ترشحها لأول مرة للرئاسة في عام 2012، كان لها تأثير متزايد بشكل واضح، لدرجة أن اليمين المتطرف أصبح الآن قوةً لا مفر منها في السياسة الفرنسية. وبدلاً من الاحتفال بفوزه، يجب على ماكرون وأنصاره إلقاء نظرة فاحصة على كيف أصبحت لوبان ومواقفها المتشددة جزءاً من التيار السياسي السائد في فرنسا.
لا شك في أنه على الرغم من خسارتها، تمكنت لوبان من إبراز نفسها وتكوين صورة طغت على جدول أعمالها المتطرف.
على مر السنين، تحولت ملصقات الحملة من ذكر اسم عائلتها، المرتبط بوالدها جان ماري لوبان، الرئيس السابق لحزبها، إلى التركيز على اسمها الأول. وكل ذلك أثناء تصويرها بابتسامة كبيرة وبريئة. خلال هذه الحملة، استخدمت لوبان حسابَها على إنستجرام لإظهار حبها للقطط، وظهرت علناً وهي تغني أغاني شعبية عفا عليها الزمن، وبالتالي قدمت نفسها كشخص عادي لا يشارك الأذواق الثقافية للنخبة. ووصفت نفسها بأنها امرأة عَزبة، مثل «عدد من الفرنسيين»، لكنها فشلت في الاعتراف بأنها ولدت ونشأت في الطبقة العليا. حتى أن ملكة جمال فرنسا السابقة دلفين ويسبايزر أشادت بلوبان ووصفتها بأنها «والدة الفرنسيين».
وفي الوقت نفسه، عقدت العديد من وسائل الإعلام مناقشات حول ما إذا كانت لوبان من اليمين المتطرف أم لا. هذا السؤال الصادم يلقي الضوء على عدد الأشخاص في فرنسا، الذين لم يعودوا ينظرون إليها على أنها تهديد. لقد فازت بالتأكيد في لعبة «إزالة الشيطنة».
ومع ذلك، ليس ثمة شك في ما تمثله. مع قيادتها لحزب التجمع الوطني، وهو حزب أسسه متعاونون وفاشيون سابقون للنازية، فهي مدعومة من أطراف اليمين المتطرف الأكثر راديكالية وعنفاً، بما في ذلك الفاشيون والمعادون للسامية. كما تظهر مواقفها وتصريحاتها السابقة بوضوح أنها تأتي من الجانب الأكثر تطرفاً في المشهد السياسي.
وبصفتها عضواً في البرلمان، قدمت لوبان مشروع قانون في العام الماضي بشأن «المواطنة والهوية والهجرة»، حيث تقترح إجراء استفتاء لمنح الأولوية للمواطنين الفرنسيين على الأجانب (بغض النظر عن المدة التي أمضوها في فرنسا) في مجالات تبدأ من الإسكان والوظائف وصولاً إلى الخدمات الاجتماعية. سيقضي هذا الاقتراح على حق المواطنة عند الولادة (وهو مبدأ أساسي من مبادئ الجنسية الفرنسية)، ويسهل الترحيل وإنهاء لم شمل الأسرة. علاوة على ذلك، سيتم منع الفرنسيين الذين يحملون جنسيةً مزدوجة من الوصول إلى وظائف الخدمة العامة.
وتشكل هذه السياسات تهديداً لمبدأ المساواة المنصوص عليه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي صدر خلال الثورة الفرنسية عام 1789 وهو الآن جزء من ديباجة دستورنا. كما خططت لوبان لسحب فرنسا جزئياً من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، فإن لوبان ليست حليفةً للحركة النسوية، ولم يتم ذكر كلمة «امرأة» في أي من التدابير الرئيسية الـ22 الخاصة بها أو في برنامجها الانتخابي، باستثناء سطر عام عن جميع الرجال والنساء. ولا يتضمن برنامجها أي سياسات لوقف العنف القائم على النوع أو لتعزيز المساواة في الحقوق في مكان العمل. وقد تحدثت في السابق باستخفاف عن عمليات الإجهاض «المريحة»، مشيرةً إلى أن العدالة الإنجابية هي ترف، وقالت هذا العام إن «الحجاب» الإسلامي يمثل «أيديولوجية... خطيرةً مثل النازية».
وعلاوة على ذلك، فإن برنامج حزبها يدفع باتجاه دولة بوليسية، حيث يُمنح ضباط الشرطة «افتراض الدفاع عن النفس» إذا ارتكبوا عملاً عنيفاً. كما يمكنهم تقديم شكاوى ضد أي مواطن يتهمونه بالاعتداء عليهم، دون الحاجة إلى الكشف عن هويتهم، مما يجعل الدفاع عن المتهمين شبه مستحيل.
ولسوء الحظ، كان ماكرون بطيئاً في وصف برنامج التجمع الوطني بأنه «عنصري»، ولم يفعل ذلك إلا بعد أن توقعت استطلاعات الرأي تزايد تهديدها. كان من المفيد سماع مثل هذه الإدانة في العام الماضي عندما انتقد وزير داخليته، جيرالد دارمانين، لوبان لكونها «متساهلة» مع الإسلام!
وفي الواقع، فقد ساعد موقف ماكرون المتشدد من الهجرة والإسلام والسياسات الأمنية على ظهور خطاب لوبان الكاره للأجانب على أنه مقبول. وقد أثارت منظمات حقوق الإنسان مخاوف بشأن القوانين التي تم سنها على مدى السنوات الخمس الماضية والتي تهدد الحريات، مثل القمع الشديد للحركات الاجتماعية الذي أُصيب بسببه آلاف المتظاهرين، وكذلك مضايقات المسلمين والتي بلغت ذروتها بإغلاق 718 مؤسسة إسلامية.
إن الخطاب المعادي للأجانب، الذي يستخدمه العديد من أعضاء الحكومة، ومنهم الرئيس الذي قال إن الحجاب جعل الناس «غير آمنين» لأنه «لا يتماشى مع الكياسة الموجودة في بلدنا»، أصبح الآن خطاباً راسخاً في المشهد السياسي الفرنسي.
لذا، فإن الفوز في الانتخابات بعد تأجيج الرأي العام بخطاب الكراهية وتغيير القوانين لتقييد الحريات المدنية ليس انتصاراً. لقد نجح اليمين المتطرف في تطبيع أيديولوجيته، وهذا ينبغي أن يثير قلقنا جميعاً.
رقية ديالو
صحفية وكاتبة ومخرجة أفلام فرنسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»